نستهل بحثنا عن الأعياد اليهودية بعيد “بيساح” – عيد الفصح اليهودي الذي يحتفل به من 15 إلى 21 في الشهر الأول للتقويم العبري، وهو نيسان.
من الغريب، أن السنة العبرية الجديدة تبدأ في الشهر السابع من التقويم العبري. وهذا لا يبدو لنا غريبًا إذا لاحظنا أن في العالم العلماني، أيضًا، نستعمل تقاويم مختلفة لأهداف مختلفة.
تبدأ السنة الجديدة العلمانية في الأول من شهر كانون الثاني – يناير، لكن السنة الدراسية تبدأ في الأول من شهر أيلول – سبتمبر، وتبدأ السنة الدراسية الجامعية نحو نهاية شهر تشرين الأول – أكتوبر أو في بداية شهر تشرين الثاني – نوفمبر إلخ… وهناك سنوات أخرى: للميزانية، للضرائب ولأهداف الطقوس الدينية.
في التقويم العبري اليهودي، تبدأ السنة في الشهر السابع وهذا يحدث في فصل الخريف، بينما يبدأ عد الأشهر في فصل الربيع. ليلة ال- 15 من شهر نيسان، الليلة الأولى من عيد الفصح اليهودي، هي عادةً ليلة البدر الأولى بعد الاعتدال الربيعي. تربط بين “بيساح” (عيد الفصح اليهودي) و”إيستر” (عيد الفصح المسيحي)، الذي يسمى”باسحا” غالبًا روابط وثيقة. منها البيضة الرمزية والاحتفال بالولادة الجديدة والتجدد وهما عيدان يحتفلان بقدوم الربيع. “إيستر (عيد الفصح المسيحي) هو تعليق مجدد لعيد الفصح اليهودي في ضوء صلب المسيح والبعث. هذا هو عيد التحرير من العبودية (من الموت.)”1
أحيانًا، يكون “بيساح” (عيد الفصح اليهودي) معروفًا باللغة الإنكليزية باسم باسوفر (2). ويحتفل به لذكرى خروج العبيد من بني إسرائيل من مصر بقيادة النبي موسى عليه السلام، ويعتقد أن هذا الخروج قد حدث حوالي 1300 قبل الميلاد. ليست قصة الخروج الحدث الأكثر أهمية في وجود الشعب اليهودي بل هي تمثل أيضًا رسالة عالمية تعبر عن الحرية والفداء.
تبدأ العائلات اليهودية استعداداتها لعيد الفصح مدة طويلة قبل العيد نفسه، أحيانًا يشكل العيد فرصة “للتنظيف الربيعي” إلى أن أصبح التعبير”لاعاسوت بيساح” باللغة العبرية العصرية عبارة عن “التنظيف والترتيب” مهما كانت الفترة في السنة التي نقوم خلالها بالتنظيف والترتيب. لكن للتنظيف الخاص بعيد الفصح اليهودي هدف خاص، وهو التخلص من “الحاميتس” (الخمير) – الخبز المخمر والمنتوجات الغذائية المشتقة منه وذلك لأداء الآية من التوراة التي توصي “سبعة أيام تأكلون فطيرًا واليوم الأول تعزلون الخمير من بيوتكم، فإن كل من أكل خميرًا من اليوم الأول إلى يوم السابع تقطع تلك النفس من إسرائيل”. ( الخروج 12: 15). إذا أتيحت لك فرصة التجول داخل سوبرماركت أو دكان يهودي خلال أسبوع عيد الفصح اليهودي، فسترى على الأرجح أن الرفوف التى تحتوي على الكعك و البسكوت والمنتوجات الأخرى التي تحتوي على الخمير قد تمت تغطيتها. بدلاً من الخبز العادي نأكل خلال هذا الأسبوع فطيرًا، وهو عبارة عن خبز مسطح غير مخمر يسمى “ماتسوت”، ويمكن أن يكون مربعًا أو مدورًا. قد يستبدل ناس كثيرون الصحون، والأدوات لتناول الطعام والطناجر والمقالي بمناسبة هذا العيد.
في الليلة الأولى التي تسمى “سيدير” يقام احتفال عادة ضمن العائلة في البيت. وباللغة العبرية العصرية الكلمة “سيدير” معناها “ترتيب” وفي الحقيقة تعتبر هذه الليلة أكثر ليلة ترتيبًا في السنة اليهودية إلى حد كبير مع صلوات وبركات ونصوص للقراءة والأناشيد والمأكولات الرمزية. الكتاب الذي يستعمل خلال هذا الاحتفال يسمى “هاجادا” – وحرفيا تعني هذه الكلمة القول. وهدف هذه الطقوس الدينية هو رواية القصة القديمة من جديد ليشعر كل واحد كأنه خرج من مصر شخصيًا. كما يبدو قد أصبح “الخروج من مصر” ذا معنى رمزي، خاصة في التقاليد الرمزية اليهودية وقد يتعلق بأنواع مختلفة وكثيرة من التحرير الوطني والشخصي. تحتوي “الهاجادا” على نصوص من عهود عديدة مختلفة من التأريخ اليهودي ابتداءً من التوراة. ولكن هذه النصوص تتركز بصورة خاصة على تفاسير الحاخامين.
حاليًا تعكس “الهاجادا” مذاهب أيديولوجية مختلفة متعلقة بالحياة اليهودية، بما فيها المساواة بين المرأة والرجل و الاشتراكية والحاجة لدى اليهود لتأييد حركات تحرير الشعوب الأخرى. ولكن عند أغلبية العائلات، ربما يعتبر “السيدير” فرصة لعقد اللقاء العائلي بهدف تناول المأكولات التقليدية والغناء الجماعي للأغاني من عهد الطفولة أكثر من كونه فرصة لإجراء النقاش الأيديولوجي. يتبين من دراسات اجتماعية حول اليهود في إسرائيل وفي الشتات أنه حتى الكثير من العائلات العلمانية تحتفل بنوع معين من “السيدير”. لدى العديد من المنازل اليهودية يتركز “السيدير” على مشاركة الأطفال، لأن الهدف هو نقل قصة الخروج من جيل إلى آخر.
من الغريب أن عيد الحرية يلزم الكثير من الاستعدادات والترتيبات إلى هذا الحد. لكن ربما يكون هذا دليلاً على أن مبدأ الحرية عند اليهود لا يعني “الحرية من كل التزام”. الحرية الحقيقية تتعلق بنظام اجتماعي تضمن وتحمى فيه حقوق الضعيف. أحد المبادئ الرئيسية لعيد الفصح اليهودي هو التضامن مع الفقير والأجنبي والأرملة واليتيم. عدة أسابيع قبل العيد، تنظم حملات واسعة النطاق للتاكد من توفير المؤن الكافية للعائلات الفقيرة لتتمكن من إجراء “السيدير”.
يعتبر اليوم الأول والسابع من عيد الفصح يومي عيد كامل، وتفرض قيود معينة على نشاطاتنا (مع أن هذه القيود لا تكون صارمة مثل القيود المتبعة في يوم السبت. والفرق الرئيسي هو السماح بعملية الطهي في العيد).
يحتفل اليوم الأول بذكرى الخروج نفسه، بينما اليوم السابع يحيي ذكرى عبور البحر الأحمر (الخروج 14، 15). ولكن الأيام الخمسة الواقعة بين اليوم الأول والسابع تعتبر نصف عيد وتسمى “حول هاموعيد” بمعنى “الجزء غير المقدس من العيد المقدس”. خلال هذه الأيام وبالرغم من قيود خاصة في مجال التغذية التي لا تزال مفروضة، لا تفرض قيود على التحرك. لدى عائلات يهودية، تشكل هذه الأيام فرصة مناسبة للقيام برحلات ونزهات عائلية. وبصورة خاصة تفضل الرحلات إلى الجليل لمشاهدة تنوير زهور الربيع. أحد النصوص من الكتاب المقدس الذي يتلى في هذا العيد هو سفر “نشيد الأناشيد”، الذي يشمل وصفًا رائعًا لهذا الفصل “لأن الشتاء قد مضى والمطر مر وزال و الزهور ظهرت في الأرض” … (2 : 11 – 12). من ناحية الطقوس الدينية المتبعة في عيد الفصح اليهودي، نتوقف عن الصلاة من أجل المطر (صلاة الاستسقاء) ونبدأ بالصلاة من أجل الندى.
المفهوم العبري العام للعيد هو حج ويشتق من نفس جذر الكلمة العربية حج. الحج بالطبع هو زيارة مكة المكرمة المفروضة على المسلمين المخلصين كفريضة من أركان الإسلام الخمسة. في إسرائيل القديمة، كانت تقام ثلاث زيارات إلى القدس أثناء الأعياد الثلاثة الهامة والمعروفة باسم “شالوش رجاليم”. (بالعبرية يسمى الحج – “عاليا لارجيل” ويمكن ان تكون هناك لعبة الكلمات “رجل” و”مناسبة” – مناسبة باللغة العبرية هي نفس الكلمة التي معناها رجل). الأعياد الثلاثة في السنة العبرية هي: عيد الفصح اليهودي (بيساح)، عيد الأسابيع (شافوعوت) وعيد المظلات أو العرائش (سوكوت). التهنئة الملائمة للأعياد الثلاثة هي “حاج سامياح” – عيد سعيد.