اليهود الحريديم هي التسمية التي تطلق على اليهود المتدينين الذين يحافظون على نمط حياة بعيد عن الحياة الحديثة عامة. المعنى الدقيق للحريديم هي “الخائفين من الله” لكن عادة ما يطلق عليهم بالعربية اسم “المتدينين المتشددين”. هنالك مجموعات وتيارات حريدية داخلية كثيرة، لكنهم يتميزون عادة بلباسهم الأبيض والأسود والذي يعكس أسلوب اللباس في العالم ما قبل الحضارة. يعتبر اليهود الحريديم أنفسهم ونمط حياتهم استمرارًا مباشرًا لليهود من فترة ما قبل الحداثة، حيث يواصلون قدر الإمكان اتباع أسلوب حياة ثابت لا يتغير، معتقدين أنه ميز اليهود منذ آلاف السنين. يميل العديد من المؤرخين والعلماء الأكاديميين إلى التشكيك في هذا الأمر، مشيرين إلى أنه من المحتمل أن التيار الحريدي تطور خلال القرنين الماضيين، وأنه، بالإضافة إلى الالتزام المطلق بالهلاخا، يقابل الحداثة بعدائية تجعل منه تيارا أكثر تطرفًا من اليهود الذين عاشوا ما قبل الحداثة والذين كانوا متسامحين ومنفتحين في كثير من الأحيان على الجوانب الثقافية للعالم من حولهم.
هناك 3 تيارات رئيسية لليهود الحريديم:
اليهود الحسيديم
كانت حركة الحسيديم حركة تصوف روحانية اجتذبت آلاف الأتباع منذ أوائل القرن التاسع عشر في أوساط الجاليات اليهودية الكبيرة في الأجزاء الجنوبية من أوروبا الشرقية، خاصة بولندا، روسيا البيضاء (بلاروس)، أوكرانيا ورومانيا. نشأت حركة الحسيديم حول مجموعة من الحاخامات المؤثرين، والذين جذب كل منهم أتباعه إليها. أصبحت هذه المجموعات معروفة في العالم الحسيدي وما زال يشار إليها حتى اليوم نسبة للأماكن التي نشأت فيها. هناك العشرات من هذه المجموعات اليوم، والتي يبلغ أتباع بعضها عشرات الآلاف، بينما بعضها الآخر صغير نسبيًا. يميل اليهود الحسيديم عمومًا إلى التركيز على الفرح في محاولتهم للشعور بوجود الله.
اليهود الحريديم غير الحسيديم
يعرفون كذلك بالمتنغديم (معارضون [للحسيديم]) أو الليتوانيون، وهم الحريديم الذين تمتد أصولهم من أوروبا الشرقية والذين عارضوا التيار الحسيدي عند ظهوره. يؤمن (آمن) هؤلاء أن الحاسيديم يعطون أهمية مبالغا بها للروحانيات والتصوف بمحاولتهم للتعرف على الله بدلاً من تعلم ودراسة ما طلبه منهم من حيث الممارسات اليومية. يعتبَر هذا أحد الأسباب في تسميتهم “المتنغديم”، أي المعارضين. تركز هذه المجموعة على تعلم النصوص الإلهية (بحسب التقاليد الحاخامية) وتعتبر دراسة التوراة (للرجال) – التي تلعب دورًا رئيسيًا في حياتهم اليومية – فرضا يهوديا إلزاميًا. برزت هذه النظرة في أوروبا الشرقية، حيث نشأت وتطورت مراكز الدراسة الكبرى (اليشيفوت)، في ليتوانيا خاصة، ولذلك يسمى هذا التيار باسم الليتوانيين. الحقيقة هي أنه مع مرور الوقت، أصبح التعلم أكثر مركزية في معظم الحركة الحسيدية، حيث أن بعض الفروق التي ميزت الحسيديم عن المتناغديم لم تعد بارزة. مع ذلك، يعتبر هذين التيارين أنفسهم مجموعتين مختلفتين تمامًا، مع أن كليهما ينتميان إلى العالم الحريدي.
الحرديم السفارديم (الإسبانيين)
السفارديم هم ظاهرة حديثة نسبيا نشأت قبل حوالي جيل أو اثنين، وهم يهود لم تأت عائلاتهم إلى إسرائيل من أوروبا، بل من بلدان عربية مختلفة في شمال إفريقيا أو آسيا، والذين انجذبوا إلى يشيفوت الليتوانيين (في إسرائيل غالبا)، وتبنوا بذلك هوية وممارسات حريدية أوروبية. يطلق الكثيرون على أنفسهم اسم “السفراديم” أو الإسبانييم لأن مجتمعاتهم تميل إلى تبني الثقافة الإسبانية، وغالبًا ما كانت تحت قيادة وتأثير العلماء اليهود الإسبان الذين بنوا منازل لهم في البلدان العربية بعد طرد اليهود من إسبانيا في العصور الوسطى. ليس كل اليهود السفارديم هم من الحريديم، بل أن أقلية منهم فقط اتبعت التيار الحريدي، ولكنها مجموعة حريدية فرعية معروفة.
يختلف اللباس بين كل من هذه المجموعات، ولكن عامة ما تكون ألوانها رصينة (الأسود والأبيض غالبا). ينطبق هذا على الرجال عامة، والذين عادةً ما يغطون رؤوسهم بكيبوت (أغطية دائرية صغيرة للجزء الخلفي من الرأس) سوداء قطنية و مخملية أو بالقبعات بينما تميل النساء إلى تغطية الشعر الطبيعي بالكامل.
كان مركز العالم الحريدي في أوروبا الشرقية قبل الحرب العالمية الثانية والمحرقة، ولكن مراكزهم دمرت بالكامل تقريبًا على يد الشيوعيين والنازيين. تعد إسرائيل اليوم المركز الرئيسي لليهودية الحريدية، لكن لها مراكز أخرى في أجزاء من الولايات المتحدة، بالإضافة إلى تجمهرات صغيرة لهم في عدد من المدن الغربية الكبرى.
يجدر بالذكر أن أجزاء من العالم الحريدي – التي لا تزال تعرَّف وتعرّف نفسها كحريدية – تتواجد في خضم مسيرة نحو نمط حياة أكثر انفتاحا، ولذلك يطلق عليها في السنوات الأخيرة اسم “الحريديم الموديرن” (الحريديم العصريين).
أحد الأخطاء التي يرتكبها الكثير من الناظرين إلى الحريديم من الجانب، بما في ذلك العديد من اليهود الإسرائيليين، هو فشلهم في تمييز الاختلافات الكبيرة بين التيارات الحريدية المختلفة، والتعامل معهم كمجموعة واحدة متجانسة (وتصويرهم في صورة نمطية وفقًا للمواقف الأكثر تطرفًا التي نصادفها أو نسمع عنها). الحقيقة هي أن تغييرات عديدة آخذة في الحصول في العالم الحريدي، ومن بينها رغبة عدد كبير من المجموعات الفرعية فيه بالانفتاح على أجزاء من العالم الحديث، كلٍ بطريقتها وأسلوبها الخاصين. مع ذلك، من الصحيح القول أيضًا أن جزءًا كبيرا من الحريديم لا يزالوا يتعاملون بتطرف تجاه الحداثة ويحاولون إقصائها ليكونوا قادرين على مواجهة سلطات الدولة الإسرائيلية التي يرى بها الكثير منهم تدنيس لمفهوم الدولة اليهودية.