اليهود الإصلاحيين واليهود المحافظين

بعد أن شرحنا عن ثلاث فئات لليهود الأورثوذوكس، دعونا ننتقل الآن للشرح عن اليهود المتدينين الذينن هم ليسوا أورثوذوكسيين. نقدم أدناه حركتين ليبراليتين تطورتا خلال القرنين الماضيين: اليهودية الإصلاحية (أو اليهودية التقدمية) واليهودية المحافظة. ليست هاتان الحركتان الدينيتان الليبراليتان الوحيدتان، لكنهما الأكبر والأكثر أهمية حتى الآن (على الرغم من أن هذا قابل للتغيير) وكلاهما موجودتان في إسرائيل (على الرغم من أن وجودهما ونفوذهما فيها  أصغر منه في الخارج – خصوصًا في الولايات المتحدة الأمريكية).

اليهود الإصلاحيين (الريفورميم)

By Michal Patelle

انفصل اليهود الإصلاحيون عن سلطة الهلاخا والحاخامات في ألمانيا وأوروبا الوسطى من منتصف حتى أواخر القرن التاسع عشر عندما ازداد انفتاح ومشاركة اليهود في العالم الحديث. بينما أراد البعض الانفتاح على الحضارة والحداثة مع الاستمرار في عيش حياتهم بحسب الهلاخا (الأرثوذكسية الحديثة)، رغب الكثيرون بالحفاظ على حياة يهودية، ولكنهم اعتقدوا أن الهلاخا – كنمط حياة منظم يتدخل في كل جانب من جوانب حياة الفرد – لم تكن مهمة في العالم الحديث. شعر البعض أن الهالاخا التي كانت مهمة في الماضي، لم تعد لها أهمية في حياتهم الحديثة، بينما اعتقد آخرون أنها وضِعت على يد الحاخامات الذين آمنوا أنها تفسير صحيح لكلمة الله. رأى هؤلاء بالهالاخا قانونا من صنع الإنسان لا يمت لهم بأي صلة، ورأوا أن الحاخامات بشر ضعيفين، ربما تلقوا تعليما ومعرفة كبيرة، ورؤية مهمة في عالم الله – في أفضل الحالات – لكن لا سلطة لهم على نمط حياة الأفراد.

طالب العديد من الإصلاحيين بإحداث تغييرات في الكنيس والطقوس التي كان عليها، من الآن فصاعدًا، أن تعكس مطالب واحتياجات العالم المعاصر، مثل إلغاء اللغة العبرية كلغة الصلاة الخاصة، تقصير الصلوات وحذف الأجزاء غير المناسبة منها، والتركيز على رفع مستوى الموسيقى، الديكور والنظام. بدلاً من التركيز على تفاصيل الهالاخا والطقوس، رغب الإصلاحيون بالتركيز على القيم والأخلاق اليهودية والإيمان بالله، والذي ربطوه بالقيم الإنسانية المركزية، هذا بالإضافة إلى سعيهم لرفع مكانة المرأة وجعل المساواة بين الرجل والمرأة هدفًا أعلى.

انتشرت اليهودية الإصلاحية في أجزاء كثيرة من العالم اليهودي الغربي، وتطورت أكبر مجموعة منها في القرن العشرين في أمريكا. عاد الجيل الأخير في بعض أجزاء حركة الإصلاح، إلى حياة يهودية أكثر تقليدية، مستعيدا بعض الطقوس التي تخلت عنها الأجيال السابقة. لم يعنِ هذا عودة إلى الهلاخا كنمط حياة مركزي، حيث يُنظر إلى كل فرد في النهاية على أنه يتمتع بحكم ذاتي وقادر على اتخاذ خياراته الخاصة فيما يتعلق بما هو ممنوع وما هو مسموح. شهد الجيل الأخير كذلك تقدما في إحراز مساواة كاملة بين الرجال والنساء، حيث أنه لا توجد مناصب أو مسؤوليات لا يمكن إشغالها من قبل الرجال أو من قبل النساء.

اليهود المحافظين

كان التيار المعروف باسم “اليهودية المحافظة” موازيًا لظهور ونشوء اليهودية الإصلاحية، في ألمانيا وأوروبا بداية وفي الغرب فيما بعد، خاصة أمريكا الشمالية والجنوبية حيث تطور طوال القرن العشرين.

تختلف اليهودية المحافظة دينيا عن اليهودية الإصلاحية من حيث أنها احتفظت بمفهوم الهالاخا ولكنها تختلف عن الأرثوذكسية في أنها ترى أن الهالاخا تتغير من جيل إلى جيل وتتأثر بالتغيرات الحاصلة في العالم من حوله. يعتبر هذا التيار محافظا من حيث أنه لا يؤمن بتغييرات جذرية (مثل التيار الإصلاحي) ولكنه يؤمن بالتغيير والتطور بقيادة حاخامات تؤمن بالتغيير التدريجي.

تجدر الإشارة مع ذلك إلى أنه في الواقع، وعلى الرغم من أن حاخامات التيار المحافظ مكرسون بالفعل لمفهوم الهالاخا المتطور تدريجيًا الذي يقوم به الأفراد، فإن معظم قاصدي الكنس المحافظة والذين يرون بأنفسهم يهودًا محافظين، لا يلتزمون فعليا بإيديولوجية الحركة. لا يعيش هؤلاء حياة هالاخية مثل حاخاماتهم. ما يميز المحافظين عن الإصلاحيين هو أنهم يريدون الاحتفاظ بالجوانب اليهودية التقليدية وأنهم لا يتنازلون عن طقوس الحياة اليهودية بسرعة.

منحت اليهودية المحافظة المساواة للمرأة، مثل اليهودية الإصلاحية، على الرغم من اختلاف طبيعة وفهم هذه المساواة من مكان إلى آخر. أصبحت الحركتان ملتزمتين بأفكار العدالة الاجتماعية والعمل الاجتماعي التي لا تستهدف اليهود وحدهم، حيث أخذتا أفكار العدالة الشاملة، الموجودة في التقاليد اليهودية، ونقلوها إلى مكان مركزي في فهمهم لليهودية بطريقة مرفوضة من قبل العالم الأرثوذكسي والعالم الحريدي. يمكننا القول أنه إجمالا – مع بعض الاستثناءات – وجد كل من التيار الإصلاحي والتيار المحافظ (بالإضافة إلى تيارات أخرى أصغر غير أرثوذكسية) طريقة للموازنة بين جوانب خاصة وأخرى عامة (داخلية وأخرى خارجية) من التقاليد اليهودية التي تكمل بنظرهم بعضها البعض، ركزت اليهودية الأرثوذكسية على جوانب معينة من التقاليد اليهودية الداخلية.

يتواجد في إسرائيل كل من التيار الإصلاحي والتيار المحافظ، حيث يعرف التيار الإصلاحي باسم حركات يهادوت متكدميت (اليهودية التقدمية) ويعرف التيار المحافظ باسم يهادوت ماسورتيت (اليهودية التقليدية). تطورت الحركتان في إسرائيل نتيجة لهجرة اليهود الذين جاءوا من الجاليات الإصلاحية والمحافظة في الخارج. نجحت الهيئات والكنس الإصلاحية والمحافظة في إسرائيل باجتذاب أعداد كبيرة من الإسرائيليين غير الأرثوذكس، لكن لا تزال كلا المجموعتين غير معترف بهما من قبل المؤسسة الحاخامية الأرثوذكسية التي احتكرت السيطرة على اليهودية في إسرائيل منذ قيامها في عام 1948. بالتالي، فإن الزيجات التي يقوم بها الحاخامات غير الأرثوذكس غير معترف بها من قبل دولة إسرائيل، المجتمعات والمؤسسات اليهودية غير الأرثوذكسية غير مدعومة من قبل الدولة ولا يتلقى حاخاماتها رواتب من الدولة. ترى أجزاء كبيرة من العالم الأرثوذكسي في إسرائيل بالتيار الإصلاحي والمحافظ بأنهما غير شرعيين ولا يمثلان اليهودية الحقيقية. بحسب وجهة النظر هذه، تشكل المطالبات غير الأرثوذكسية بالشرعية تهديدًا لادعاء اليهودية الأرثوذكسية أنها وحدها تمثل اليهودية الحقيقية.

تجدر الإضافة هنا إلى أننا عرفنا اليهود المحافظين في إسرائيل بالاسم العبري “اليهود الماسورتييم” وهو الاسم الذي اختارته الحركة، لكن هناك معنى آخر لهذا الاسم في إسرائيل، وهو “اليهود التقليديون”. يعرّف يهود إسرائيليون كثر أنفسهم بأنهم تقليديون أو “ماسورتي” بمعنى أنهم يحتفظون بأجزاء كبيرة من التقاليد ولديهم موقف إيجابي من الدين اليهودي. يذهب هؤلاء عادة أو أحيانا إلى الكنيس، ويحافظون على القوانين الغذائية التقليدية ويحتفلون بالأعياد بالطرق التقليدية، لكنهم قد يكونوا في حالات كثيرة أقل محافظة في نمط حياتهم اليومي من اليهود الأرثوذكس. العديد من اليهود المنحدرين من أصول عربية يعرّفون أنفسهم على أنهم تقليديون، رافضين الفئات الأرثوذكسية المختلفة التي يرون بها (عن حق) ناتجة عن الثقافة والتاريخ الأوروبي، وبالتالي فهي أقل صلة بهم. سنوسع عن هذا الموضوع لاحقا عندما نتطرق لموضوع العرق في المجتمع اليهودي الإسرائيلي.

Rossing Center logo

المزيد عن اليهودية

Rossing Center logo
  • All
  • الأعياد
  • المجتمعات اليهودية
  • دوائر الحياة
  • مفاهيم أساسية
التاسع من آب

التاسع من آب، هو يوم صيام يهودي ، يرمز إلى ذروة فترة الحداد بين المصريين يعتبر الصيام الأشد والأكثر أهمية بين الصيام الأربعة المتعلقة بتدمير …

من هم اليهود؟ أوجه شبه وأوجه اختلاف

من هم اليهود بالضبط؟ هنالك (بما يشمل اليهود أنفسهم) من يعتبر اليهودية دينا (مثل الإسلام أو المسيحية)، هناك من يعتبرها قومية، وهناك من ينظر إليها …

دوائر الحياة في اليهودية – مقدمة 

للحضارات الدينية لا توجد مناسبات سنوية تشير الى دورات الفصول، الأحداث التاريخية وغيرها فحسب، بل أيضًا لديها طقوس تتعلق بدائرة الحياة أو كما سماها عالم …

التقويم اليهودي

لكل حضارة بشرية طرق خاصة لذكر المناسبات والمواعيد والأعياد – عادة الأعياد والصيام معًا. البحث عن طرق ذات معنى للإشارة إلى التغييرات التي تميز فصول …

التوراة

مع أنها غالبا ما تترجم لـ “قانون”، المعنى الصحيح للتوراة هو “التعليم”. تشمل التوراة، أوسع نطاق ممكن – فهي تعني التعليم، الحكمة، العقيدة، التراث والتقاليد …

Hazal
الحكماء

حازال هي علامة اختصار للكلمات “حاخامينو زِخرونام لِفراخا” (حكماؤنا رحمهم الله) وهي تشير للحاخامات من الحقبة التلمودية. ظهرت المجموعة المعروفة باسم الحكماء في حقبة الهيكل …