ظهر في ألمانيا في منتصف القرن التاسع عشر تيار جديد من اليهود الذين قبلوا سلطة الحاخامات والهلاخا، ولكنهم أرادوا في الوقت نفسه أن يكونو جزءًا من العالم الحديث. يعرف هذا التيار اليوم باسم “الأرثوذكسية الحديثة”، الذي يدل على رغبته بالانضمام إلى العالم الحديث دون التنازل عن الهلاخا. آمن – ويؤمن – هؤلاء اليهود أنه من الممكن اتباع نمط حياة عصري دون التضحية بأي من قوانين الله أو وصاياه. تؤمن اليهودية الأورثوذوكس الحديثة أن كثيرا مما يعتبره الحريديم قوانين إلهية هي في الواقع قوانين إنسانية ليست إلهية في الأصل، ولا أهمية تشريعية لها، إنما تقاليد تبناها اليهود يوما، في مكان وزمان ما بأمر أو توصية من الحاخامات، وهي بالتالي ليست ملزمة لليهود اليوم في وقت ومكان مختلفين.
يعتقد اليهود الأرثوذكسيون الحديثون كذلك أن جزءا كبيرا من العالم الحديث هو جزء من عالم الله ولذلك يمكنهم، أو ينبغي عليهم حتى، القبول والترحيب به – طالما لا يتعارض أو يلغي الهلاخا – على عكس اليهود الحريديم المعروفين بموقفهم المعارض، وحتى العدائي، تجاه هذا العالم.
يتواجد الأرثوذكسيون الحديثون في أجزاء مختلفة من العالم اليهودي، وهم يشكلون مجموعة يهودية فرعية مهمة في إسرائيل، تسمى بـ “داتي ليومي” (متدين قومي). من الممكن تمييزهم، إلى حد ما، من خلال لباسهم الحديث والمحتشم، حيث يرتدي الرجال كيبوت (محيوكة عادة)، أو أغطية للرأس بينما تميل النساء المتزوجات إلى تغطية رؤوسهن بأوشحة أو قبعات خارج المنزل وارتداء ملابس عصرية ولكن محتشمة تحرص على عدم كشف أجزاء من الجسد. كان الأورثوذكسيون الحديثون مرتبطون بقوة بالصهيونية حتى عام 1967، لاعتقادهم أن دولة إسرائيل هي إطار سياسي ذا قيمة إلهية، كجزء من خطة الله للعالم. مع ذلك، لا تميل هذه المجموعة، إجمالا، إلى الاهتمام المفرط بالسياسة طالما تحترم حقوقها واحتياجاتها الدينية. تغير هذا الوضع بالنسبة للكثيرين بعد حرب عام 1967، حيث نظروا إلى “معجزة” النصر الإسرائيلي كعلامة واضحة لخطة الله وأن السيطرة على أرض الأجداد (المناطق التاريخية في يهودا والسامرة – الضفة الغربية) تمثل مشيئة الله بإعادة أرض إسرائيل التاريخية للسكان اليهود الأصليين منذ آلاف السنين.
خلقت هذه “العلامة” موجة هائلة من الحماس الديني لمعظم اليهود الأرثوذكس الحديثين الذين شعروا أن الله يبدي من خلالها تأييدًا واضحًا للمشروع الصهيوني ولـ – “عودة اليهود إلى التاريخ” وأن المهمة الدينية كانت، عندها، البدء بالاستيطان في المناطق التي “حررها الله”، بحسب مفاهيمهم. كانت هذه بداية المشروع الاستيطاني، ومع أن ليس جميع المستوطنين في المناطق التوراتية السابقة في الضفة الغربية هم من المتدينين (وليس جميع اليهود الأرثوذكس الحديثين يدعمون حركة الاستيطان)، إلا أن معظم الطاقة والحماس اللذان لعبا دوراً كبيراً في مشروع الاستيطان، جاءا من هذه المجموعة التي أصبحت ترى علاقة وثيقة بين الفكر السياسي، الاعتقاد الديني، والاستيطان.
يعرّف دور المرأة تقليديا في العالم الديني اليهودي بحسب وظيفتها في البيت أولا، حيث يتوقع منها أن تكتفي بالدور المحدد لها كزوجة، ربة منزل وأم، بينما كان العلم أمرا خارج الحدود المسموحة لها – وهو أمر ملحوظ بشكل خاص في مجتمع يقدّر الامتياز في التعلم ويضعه فوق جميع الإنجازات الأخرى تقريبًا (للرجال). بدأ هذا بالتغير في العقدين الثلاثة الأخيرة، حيث أثر الفكر النسوي الذي دخل العالم اليهودي في سبعينيات القرن العشرين بسرعة وبقوة هائلتين على النساء المنتميات لهذه الفئة، واللواتي بدأن بإعادة النظر في دورهن التقليدي المفروض عليهن. بدأت تظهر، نتيجة لذلك، مبادرات نسائية لمؤسسات ودورات خاصة لتعليم اليهودية للنساء، ومعها أعداد كبيرة من المتعلمات والعالمات اللواتي طالبن بإعادة النظر في الأدوار الصغيرة التي كلفتهن بها اليهودية التقليدية. مجموعات كبيرة من الرجال المنتميين للجالية الأورثوذكسية الحديثة يعارضون مثل هذه التغييرات، كما هو متوقع، ولا يزال الوقت مبكرا للتكهن إلى أين ستؤدي هذه التغييرات، لكن لا شك أن هذا المجال آخذ ومستمر بالتغير.
