لكل حضارة بشرية طرق خاصة لذكر المناسبات والمواعيد والأعياد – عادة الأعياد والصيام معًا. البحث عن طرق ذات معنى للإشارة إلى التغييرات التي تميز فصول السنة، أدوار الليل والنهار، القلق حول مصير المحاصيل الزراعية وكذلك الأحداث التأريخية الهامة في حياة المجتمع كل هذا يعتبر أمرًا إنسانيًا.
تشمل هذه الكراسة لمحة حول الطريقة التي طور الشعب اليهودي ضمنها ثقافته الدينية العرقية من خلال أعياده منذ عهد التوراة. ومنذ العودة إلى أرض إسرائيل، نحن اليهود جدّدنا أبعاد الأعياد التي تتعلق بشكل مباشر بهذا البلاد الجميلة التي نتقاسمها معك. أضفنا إلى تقويمنا أيضا أيامًا تشير إلى تجاربنا خلال العهد العصري. وكما تعرف، يهود كثيرون غير متديينين جدًا، وبالرغم من ذلك، بالنسبة للجميع، يكون لهذه الأعياد اي معنى، وفي بعض الحالات طور هؤلاء طرقًا أخرى خاصة بهم للاحتفال بهذه الأعياد.
من ناحية واحدة، يشابه التقويم اليهودي تقويم جيراننا المسلمين – ويكون مؤسّسًا على التقويم القمري. والأشهر هي اشهر قمرية. بداية الشهر الجديد اليهودي تسمّى “روش حوديش” (أول الشهر) وتوافق بداية الشهر الجديد حسب التقويم الإسلامي. تقع أعياد يهودية عديدة في يوم ال-15 من الشهر القمري، في ليلة ظهور البدر.
لكن، هناك فرق كبير بين تقويمنا وتقويمهم يعكس الفرق بين العبريين القدماء والمسلمين الأولين. تشمل السنة القمرية 354 يومًا (12 29.5X يومًا). أما السنة الشمسية فتمتدّ على 3655 يومًا الشيء الذي يؤدي إلى وجود أحد عشر يومًا فرق بينهما. لذلك، نفس التاريخ القمري يتقدم في السنة المقبلة أحد عشر يومًا ضمن السنة الشمسية. وخلال عدة سنوات يمكن أن نجد أنفسنا في فصل مختلف من السنة. ندرك من ذلك أن شهر رمضان قد يأتي في أي فصل من فصول السنة.
من ناحية أخرى، يعتمد التقويم اليهودي على دورة القمر كما أشرنا إليه من قبل. لكن يشمل التقويم اليهودي فكرة السنة الكبيسة (شانا معوبرت – بالعبرية)، ويتكرر فيها شهر آذار مرتين: آذار أو آذار ب. ويحدث هذا سبع مرات خلال دورة تسع عشرة سنة لكي يصادف عيد الفصح اليهودي دائمًا فصل الربيع. لذلك يكون التقويم اليهودي مرتبطًا بشكل وطيد بفصول السنة وبالدورة الزراعية في أرض إسرائيل. يمكننا أن نتعلم من هذه الحقائق: أنّ كلاً من التقويم اليهودي والإسلامي يعكس الحقيقة بأن المسلمين القدماء كانوا رعاة غنم ويرحلون في الربع الخالي في الجزيرة العربية، بينما كان العبريون القدماء مزارعين. يذكر التقويم اليهودي، لأول مرة في التوراة في سفر اللاوين 23. ويمكن ملاحظة وجود مجموعتين أساسيتين من الأعياد في التقويم اليهودي المبكر. تشير المجموعة الأولى، المذكورة في الآيات 5-22، والتي تمتد من عيد الفحص اليهودي حتى عيد شافوعوت إلى نهاية فصل الأمطار وبداية فصل الجفاف. أما المجموعة الثانية، المذكورة في الأيات 22-44، والتي تمتد مما أصبح معروفًا كعيد رأس السنة (روش هاشانا) إلى عيد العرائش (سوكوت – شميني عاتسيريت)، يشير إلى نهاية فصل الجفاف وبداية فصل الأمطار. تعكس الطقوس الدينية هذه الحقائق ضمن صلوات الاستسقاء في فصل الشتاء وصلوات الندى في الصيف. هناك مفهومان مهمان واضحان – 1) حتى هذا اليوم، أسّس اليهود التقليديون في الشتات صلواتهم وأعيادهم على دورة الأمطار والجفاف في أرض إسرائيل. 2) قد لاحظت بالتأكيد أن بعض الأعياد الهامة مثل عيد الأنوار (حانوكا) وعيد المساخر – الفور (بوريم) لا تذكر في هذا الأصحاح من التوراة. بالإضافة الى ذلك فقد أشرنا من قبل أن بعض الأسماء التي تعرف بها الأعياد حاليًا لا تذكر هنا. هذا يدلّ على أن التقويم اليهودي هو أمر متطور ويتعلق بالحياة اليهودية عبر التأريخ. توفر التوراة الأساس، ولكن الأجيال التي تلت عهد التوراة وخاصة حاخامو الميشنا (الحديث اليهودي) والتلمود لم يضيفوا فقط تفسيرات وتفاصيل لنصّ التوراة فقط، بل أدخلوا كذلك تجديدات حقيقية. عملية تطور الأعياد هي عملية مستمرّة متعلقة بالإبداع الثقافي “من الأعلى” بوساطة صلاحيات الحاخامين، وكذلك “من الأسفل” مثل الحضارة الشعبية، والعادات والتقاليد. بسبب هذه الأجيال الكثيرة من التطور، يصبح كل عيد متعدّد الأبعاد ويمثل قيمًا عديدة: طبيعية وتأريخية وفلسفية وسيكولوجية واجتماعية وبطبيعة الحال لاهوتية ودينية.
ما الذي ميّز تطور جميع الأعياد تقريبًا بالإضافة إلى الطقوس التي تتم ممارستها في الكنيس وهو أيضًا تتم تلك العادات المتبعة في كل يت يهودي وكثيرًا من خلال مأدبة احتفالية. في الإصحاح الأول في سفر التكوين، تتكرر عدة مرات عبارة “وكان مساء، وكان صباح”، ويمكننا أن نتعلم من ذلك أن معظم الأعياد والمناسبات اليهودية ويوم السبت تبدأ مساءً قبل الغروب وتستمرّ إلى اليوم الثالي.
