كم يكون ملائمًا أننا وصلنا في الفصل السابع إلى الشهر السابع من التقويم العبري، وهو شهر تيشري. هذه هي فترة السنة الأكثر قدسية لدى اليهود المتدينين وهو حافل بالأعياد التي يحتفل بها جميع اليهود. سنتطرق إلى كل من الأعياد على انفراد، لكن هذه الأعياد تعتبر وحدة ذات معان متكاملة.
في الواقع، يبدأ اليهود المتدينون إستعداداتهم الروحية للسنة الجديدة قبل شهر تيشري. يبدأ اليهود السفراديم والأشكنازيم معًا بالنفخ في الشوفار (البوق) أو في قرن الكبش عند اختتام صلوات الفجر منذ أول شهر أيلول – الشهر العبري الأخير، وخلال شهر كامل قبل رأس السنة (روش هاشانا). في هذه المناسبة، يبدأ اليهود السفاراديم تلاوة السيليحوت (صلاة المغفرة) يوميًا وهي صلوات توبة خاصة. أما اليهود الأشكنازيم فيقومون بتلاوة السيليحوت أسبوعًا تقريبًا قبل بداية السنة الجديدة، وينتهون منها في يوم كيبور – يوم الغفران.
روش هاشانا
حرفيًا، “رأس السنة.” ومع ذلك، يربط هذا الاسم باحتفال العيد في بداية تشري بالضبط، يحدّد تأريخه من أيام التلمود فقط. في التوراة، يسمّى هذا العيد يوم تروعا “يوم النفخ في الشوفار (قرن الكبش)” ويوم هازيكارون، “يوم الذكرى.”
ربط هذه الفترة من السنة بوقت التجدّد ربما يعود إلى ما ورد في الخروج 23 :16، حيث يكون عيد سوكوت (عيد العرائش) عيد موسم الحصاد في الخريف مربوطًا “بنهاية السنة،” والقصد من ذلك على الأرجح هو إنهاء الدورة الزراعية. لكن الحاخامين من عهد التلمود أضفوا على روش هاشانا (رأس السنة) مفاهيم أكثر عمقًا – يوم الدين، في نطاق عملية تسمّى تشوفا. حرفيًا، يكون معنى الكلمة “إجابة” أو “عودة”، لكنها تحمل في طياتها بعض المعاني الأخرى، وهي تشمل التوبة، التجدّد والمفهوم الذي أضفاه عليها بعض الحاخامين والعلماء من القرن ال-20 وهو نوع من الخلق الذاتي من جديد من خلال الحوار مع الربّ تعالى.
هناك تقليدان خاصان بالحاخامين حول ما الذي حدث بالفعل في الأوّل من شهر تيشري. يقول التقليد الأول أنه في هذا اليوم، بدأ الله تعالى بخلق السموات والأرض ويعكس هذا التقليد جزءاً من الطقوس الدينية هذا التقليد. لكن، ينسب التقليد الثاني خلق العالم إلى يوم ال-25 من الشهر السابق، إيلول. وحسب هذا التوجه، ستة أيام مؤخرًا، اليوم الأول من تيشري، يعتبر يوم خلق آدم – الكائن البشري الأول. ويعتبر هذا التوجه حياة الإنسان الواحد متساوية في العالم كله وبذلك تُضفى طبيعة عالمية على عيد روش هاشانا (رأس السنة). يعتقد الإيمان التقليدي أنه في هذا اليوم يتم الحكم على الجميع وليس على الشعب اليهودي فقط.
لكن، بالنسبة للعديد من اليهود، لا يعتبر روش هاشانا (رأس السنة) مناسبة دينية إلى هذا الحد بل يعتبر مناسبة اجتماعية وعائلية تجتمع فيها العائلات بثيابها الاحتفالية الجديدة خلال الليل الأوّل لمأدبة احتفالية تشمل حلاويات عديدة مثل التفاح المغموس بالعسل والذي يعبّر عن الأمنية لسنة جديدة سعيدة وحلوة. كثير من اليهود الذين لا يذهبون عادة إلى الكنيس يحاولون أن يذهبوا إليه على الأقل في روش هاشانا ويوم كيبور – يوم الغفران المعروفة كأكثر الأيام قدسية أو الأيام الرهيبة (ياميم نورائيم بالعبرية.) الجزء البارز في صلاة الفجر في يومي روش هاشانا (رأس السنة) قد يكون عملية النفخ في الشوفار (البوق). حسب التقليد، هناك عدة معان رمزية: أحدها يشير إلى حفلة التتويج السنوية للملك الإلهي والآخر يكون نوعًا من “نداء إلى الاستيقاظ” يكون موجهًا إلى المجتمع بأن يتوب.
أحد المواضيع الأكثر أهمية خلال هذا اليوم، هو عاقيدات يتسحاق – ضحية (ربط) إسحاق، يصفها التكوين 22، وهي إحدى التلاوات الملزومة في الصلاة الاحتفالية. وفي اللحظة الاخيرة (أية 13) استبدل الكبش عوضًا عن الضحية البشرية فهذا هو مصدر قرن الكبش كرمز لروش هاشانا (رأس السنة)، اليوم الذي يعتقد كأنه حدثت فيه ضحية (ربط) إسحاق. تلاوة أخيرة تتلى في العيد، التكوين 21 ، تصف طرد هاجر وإسماعيل. واقترح بعض العلماء العصريين أنّه أحد المواضيع الأكثر أهمية من أجل “يشبون هانفش) اليهودي – الاستبطان و محاسبة النفس و التقييم و يجب أن يحدث فيما يخص العلاقات بين أبناء إسحاق وإسماعيل، إن شاء الله!
التهنئة الملائمة هي “شانا توفا” – تحيات لسنة سعيدة وطيّبة.
يوم كيبور – يوم الغفران
فترة الأيام العشرة الأولى من شهر تيشري، التي تبدأ بروش هاشانا – رأس السنة وتبلغ ذروتها يوم كيبور – يوم الغفران، تعرف باسم “عاسريت يمي تشوفا” – أيام التوبة العشرة. اليوم الثالث، اليوم الذي يلي روش هاشانا – رأس السنة، معروف باسم صوم جداليا. وكان جداليا حاكمًا ليهودا قد عيّنه البابليون بعد خراب الهيكل الأوّل (هيكل سليمان) سنة 586 ق.م. واغتاله أحد أفراد شعبه (الملوك الثاني 25 :23 – 25). حسب التقليد، يعتبر الصوم إحياء لذكرى هذا الحدث القديم، والذي يشير إلى نهاية الحكم الذاتي اليهودي حتّى الرجوع من الأسر البابلي. حديثًا، يربط بعض الإسرائيليين الصوم باغتيال رئيس الحكومة المرحوم إسحاق رابين على يدي يهودي متطرف وقد اقترحوا أنه ربما تكون المناسبة ملائمة لعملية توبة وطنية.
إذا كان اليومان الأولان من شهر تيشري – روش هاشانا – رأس السنة بمثابة يومي الدين، ويؤكدان وصف الله تعالى بذي العدالة، ويؤكد اليوم العاشر – يوم صوم الغفران رحمة الله تعالى. يعتبر هذا اليوم الأكثر قدسية في السنة العبرية وفي إسرائيل، خلال هذا اليوم تكون جميع الخدمات والمصالح مغلقة. وخلال هذا اليوم يمتنع اليهود عن سياقة السيارات حتّى اليهود العلمانيون ومحطات الرديو والتلفزيون الحكومية تتوقف عن بثّ برامجها لمدة 30 ساعة. (من الجدير بالذكر أنه منذ 1973، يضاف ليوم كيبور معنى آخر – يوم الذكرى لسقوط الجنود الذين استشهدوا في القتال في تلك الحرب المأساوية.)
في الواقع يبدأ الصوم الذي يطول 25 ساعة بمأدبة مساء العيد وتقام في الظهر وتسمّى “سعودا مافيقت الوجبة الإمساكية – وجبة ما قبل الصوم. عند بداية الصوم، تكون جميع الفعاليات التي يحرم القيام بها في يوم الشابات – يوم السبت، محرومة كذلك خلال يوم كيبور – يوم الغفران ويضاف إليها الامتناع عن الأكل و الشرب و الاسحتمام و استعمال العطور وممارسة العلاقات الجنسية. هناك على الأقل أربعة مذاهب لشرح معنى هذه الأنواع من التحريم والتي تسمّى بلغة التوراة “عذاب النفس” (لاويين 27:23 ). ويدّعي المذهب الأول بأن الامتناع عن القيام بالنشاطات اليومية العادية، يمكننا من التركيز بشكل أفضل على عملية التوبة والصلوات الخاصة بها. ويعتمد المذهب الثاني على إحدى التلاوات من التوراة ليوم كيبور إشعياء 57 :14 – 58:13 حيث وصفت الصوم كيوم التضامن مع الفقير والجائع وفحص مسؤولياتنا تجاه أولائك الأقل حظًا منا. يدعي العلماء الصوفيون أن الابتعاد عن العمل اليومي المادي، يجعلنا مثل الملائكة. لكن المذهب الرابع يختلف اختلافًا كثيرًا عن المذهب الصوفي, و يدّعي أنه عند تجنبنا “لهذه الأعمال” الدنيوية – المادية نواجه بصرامة إنسانيتنا. وفي الواقع يعتبر يوم كيبور – يوم الغفران يوماً ندرك فيه بأننا زائلون. يعتاد ناس كثيرون ببساطة ارتداء، بثياب بيضاء، لإنها ترمز إلى الأكفان التي ندفن فيها ونقوم أيضًا بترتيل اعتراف مشترك عن الذنوب كأننا نستعد ليومنا الأخير (لحسن الحظ و بعد انتهاء هذا اليوم، نؤكّد من جديد ثقتنا بالحياة ونسير نحو العيد الأكثر سعادة في السنة العبرية وهو سوكوت – عيد العرائش).
مساء يوم كيبور – يوم الغفران يسمّى كول نيدري، تكريمًا للترتيل المشهور جدًا الذي تستهل به صلاة العيد. من الناحة الفعلية حتى إن ترتيل كول نيدري لا يعتبر صلاة للجميع، بل يكون صيغة شرعية لتبرئنا من نذور قد نذرناها خلال السنة الفائتة ولم يكن بوسعنا أن نفي بها وتلك التي سنقوم بنذرها في المستقبل. أهمية كول نيديري (حرفيًا “جميع نذورنا”) الرئيسية كامنة ليس في الكلمات بل في اللحن الجذاب الذي ينشد به.
يقضي يهود كثيرون، وحتى أولائك الذين لا يحافظون على تأدية الفرائض الدينية بدقة خلال السنة، معظم اليوم في الكنيس. في يوم عادي هناك ثلاث صلوات: صلاة العشاء وصلاة الفجر وصلاة العصر. في أيام أول الشهر والسبت وأيام العيد هناك أربع صلوات، لكن في يوم كيبور هناك خمس صلوات خلال المساء واليوم التالي. و تشمل التراتيل ضمن صلاة الفجر مجموعة من التلاوات تصف الطقوس التي قام بها الكاهن الأكبر في الهيكل في الأيام القديمة. خلال صلاة العصر، الحدث البارز هي التلاوة الواردة من سفر يونان والتي تصف عملية توبة شعب نينوى، الشيء الذي يؤكّد الطبيعة العالمية لفكرة التوبة. (يقوم مسيحيون كثيرون بالقراءة في هذا السفر خلال الصوم الكبير.)
تزداد قوة الصلاة حماسًا في الأونة الأخيرة من اليوم، بينما يتمّ نفخ الشوفار (البوق) والمصلون ينادون بصوت عال “في السنة المقبلة في القدس”. عند بعض الطوائف، هذه مناسبة لرقصة حماسية، على الرغم من المعدة الفارغة (جدًا) من الطعام وفي النهاية يذهب المصلون إلي بيوتهم لوجبة الإفطار بعد الصوم ثم يبدأون (او إذا كانوا قد بدأوا فسيستمرّون) في بناء السوكا (عريشة) وتزيينها. وتصبح السوكا (العريشة) مقر “سكن” لمدة سبعة أيام خلال عيد سوكوت (عيد العرائش) المقبل.
تكون التهنئة ليوم كيبور أكثر تعقيدًا بعض الشيء مما وصفناه من قبل. تهنئة شانا توفا (سنة طيبة) أو حاج سامياح (عيد سعيد) تعتبر غير ملائمة وهناك تهنئة خاصة بهذا اليوم: غمار حتيما توفا. وتعتمد هذه التهنئة على أسطورة قديمة تقول بأنه في يوم الدين يجلس الربّ القادر في السموات وبين يديه ثلاثة كتب. يسجل الصالحون في كتاب الحياة على الفور، بينما يسجل الأشرار في كتاب الموت والهلاك. وتكون أغلبيتنا في مكان ما بين هذين الطرفين. ويسجل مصيرنا خلال روش هاشانا – رأس السنة لكن لا يتم ختمه حتى يوم كيبور- يوم الغفران. وسيحدّد مصيرنا حسب أعمالنا خلال فترة أيام التوبة العشرة. إذا قمنا بالتوبة والصلاة والزكاة يمكننا تفادي حكم قضائي سلبي. لذلك عندما نقول جمار حتيما توفا نتمنّي للشخص الذي نهنئه أن يتم تسجيله وختمه في كتاب الحياة. حتى الملحدون والكثير من الناس الذين يرفضون هذه الأسطورة يستعملون هذه التهنئة حسب التقليد.
سوكوت – عيد العرائش
منذ الزمان القديم كان يعتبر عيد “سوكوت” أكثر بهجة من جميع الأعياد اليهودية. يستهل العيد يوم ال-15 من الشهر السابع وعادة يكون الليل الأوّل ليلة البدر الأولى في أو بعد الاعتدال الخريفي. والسبب الرئيسي للفرح هو حصاد الخريف، لكن على هذه الأساس أضيفت طبقات أخرى من المفاهيم.
يكون عيد “سوكوت” غنيًا بالرموز، ويمكن أن الأكثر وضوحًا من بينهما هو السوكا – العريشة حيث أن اليهود القدماء أمروا “بالسكن فيها” خلال سبعة أيام. يوضح النصّ من التوراة (مرّة أخرى، اللاويين 23، الآيتان 23-24) أن السبب لهذا الأمر هو “لكي تعلم أجيالكم أني في عرائش أسكنت بني إسرائيل لمّا أخرجتهم من أرض مصر…”6 وأجرى الحاخامون في التلمود مناقشات حول السؤال إذا كان معنى ذلك العرائش الحالية أو رمزًا لأعمدة السحب والنار التي بواسطتها قادنا الربّ عند ارتحالنا في الصحراء. لذلك يرمز عيد “سوكوت” إلى العناية الإلهية. وبشكل تناقضي ربما يرمز العيد أيضًا إلى ضعف الوجود الإنساني. خلال الحصاد – بالضبط في الوقت الذي يكون فيه المزارع مائلاً إلى التفاؤل والتفاخر- أمرنا ربنا بترك بيوتنا الدائمة و المتينة والثابتة بالانتقال إلى المنازل المؤقتة لنذكر دائمًا كرامة الربّ تعالى وهدية الحياة. ينام بعض الناس في العريشة بينما يتناول الآخرون وجباتهم فيها فقط. يكون عيد “سوكوت” وقتًا للعديد من التسليات ولقاء الأصدقاء، وهذا ربما يكون بسبب أحوال الطقس المريحة التي تسود عادة في هذا الوقت من السنة. تنتهز عائلات كثيرة فرصة “حول هاموعيد سوكوت” – الجزء غير المقدس من “سكوت” المقدس- لرحلات في البلاد وهناك الكثير من المهرجانات والمسارات والأحداث الأخرى التي تقام خلال هذا الأسبوع. يقوم إسرائيليون كثيرون بزيارة خاصة إلى القدس خلال هذا الأسبوع كصدى للحج القديم إلى الهيكل. المجموعة الثانية من الرموز هي “الأصناف (النباتات) الأربعة” التي تصفها الآية في اللاويين 23: 40، السعفة والأترجة والآس وصفصاف الوادي. خلال الأيام السبعة كلها (ما عدا يوم السبت) وضمن صلاة الفجر، نأخذ النباتات الأربع باليد ونلوّح بها نحو ستة إتجاهات: الشرق والجنوب والغرب والشمال وإلى الأعلى وإلى الأسفل، مشيرين مرة أخرى إلى العناية الإلهية فيما يخص وجودنا كله. فهناك الكثير من الشروح حول رمز النباتات الأربع. والمشهور من بينها يقول: كل منها يقارن مع نوع مختلف من الناس. الأترجة ذات المذاق والرائحة الطيبة معاً ترمز إلى الناس الذين يتميزون بالعلم والأعمال الحسنة. للنخلة مذاق لكن دون رائحة وتقارن بشخص ذي علم دون أعمال حسنة. للآس رائحة دون مذاق وهو يمثل الشخص ذي الأعمال دون علم. لصفصاف الوادى ليس هذا ولا ذاك، وهناك أناس ليس لهم لا أعمال ولا علم. لكن عندما نربطها معًا نكون طائفة حقيقية. إذا سكنت بالقرب من منطقة يقطنها العديد من اليهود المتدينين، لاحظت أنه قبل “سوكوت” بأسبوع تقام سوق خاصة لبيع هذه الأصناف و أحيانَا تباع هناك زخارف للعيد أيضًا.
في الكنس خلال كل صباح من الأيام السبعة (ما عدا يوم السبت)، يرتل المصلون ترتيلاً وهم يطوفون الكنيس، ويحملون النباتات الأربعة في أيديهم ويغنون. هذه الطقوس وهذه التراتيل تسمى “هوشاعنوت”. المعنى الفعلي لكلمة “هوشاعنا” هو: “يا رب نتوسل إليك أن تنقذنا” ويسمى اليوم السابع “هوشاعنا رابا” (هوشاعنا الكبير) وخلال هذا اليوم تطوف جماعة المصلين الكنيس سبع مرات. يقول تقليد الحاخامين، بالرغم من الأمر الذي أشرنا إليه من قبل وهو: مصيرنا موقع ومختوم خلال يوم الغفران، لا يزال الكتاب مفتوحًا حتى “هوشاعنا رابا”. لذلك، تتاح لنا الفرصة لنستمر في عملية “التشوفا” أي التوبة والغفران لمدة أطول بعض الشيء.
ربما، وبشكل تناقضي السفر التوراتي الذي تكون له صلة بسوكوت هو سفر الجامعة. وهكذا، خلال العيد الأكثر بهجة في السنة، نطالع كتابًا كئيبًا وأحيانًا حتى ساخرًا. يمكن أن يكون هذا جزءًا من سبب قراءة هذا السفر – للحصول على التوازن. ويرمز إلى هذا التوازن في الاصحاح الثالث من سفر الجامعة والذي يبدأ هكذا ” لكل شيء زمان ولكل أمر تحت السموات وقت، للولادة وقت وللموت وقت، … للبكاء وقت وللضحك وقت، وقت للنوح ووقت للرقص،… وقت للحب ووقت للبغض، وقت للحرب ووقت للصلح.”يمكن أن يكون هناك ربط بين هذا الموضوع من التوازن والحقيقة أنه في “سوكوت” يتساوى النهار والليل طولاً. ويمكن أن يكون لهذا ارتباط مع إشارة البروج لشهر تيشري و برج الميزان و الموازين. لكن الربط الرئيسي مع برج الميزان يمكن أن يكون وزن أعمالنا الطيبة والسيئة من قبل الله تعالى في عملية التوبة والغفران.
شميني عاصيريت – سيمحات تورا
يقال في التوراة: “… في اليوم الثامن، يكون لكم اعتكاف ..” لا يوجد مفهوم خاص لاحتفال هذا اليوم وهو مجرد مناسبة احتفال نهاية عيد “سوكوت”. كما شرحت “الهالاخا” (الشريعة اليهودية) إلى حد ما يكون عيد “شميني عاصيريت” نهاية “سوكوت” فقط بينما تعتبره من ناحية أخرى عيداً منفرداً. وتشمل صلاة العيد في الكنيس صلاة الاستسقاء. خلال سبعة أيام “سوكوت” (في زمان الهيكل) تم تقديم الذبائح – سبعون ثورًا من أجل رفاهية سبعين دولة في العالم وخلال عيد “شميني عاصيريت”، تمّ تقديم ذبيحة واحدة من أجل رفاهية الشعب اليهودي. (ويبدو إلى حد ما، أن يكون هذا مثال آخر لموضوع التوازن – في هذه الحالة بين العالم بأسره والشعب اليهودي.) لكن، مع ذلك نتساءل ما هي طبيعة هذا العيد.
في محاولة لإضفاء مفهوم على هذا الاحتفال، يروي ميدراش حاخامي (تفسير حاخامي) القصة الثالية: “كان لأحد الملوك صديق، وذات يوم، دعا الملك صديقه للقصر ليقضي معه بعض الأسابيع من المرح والابتهاج والتسلي. عند اقتراب نهاية الفترة، قال الملك لصديقه: تعال نقيم حفلة أخرى هذه الليلة لنختتم بذلك هذا الوقت الرائع الذي قضيناه معًا. هذه القصة رمزية، يمثل فيها الملك الربّ، والصديق يمثل الشعب اليهودي والقصر يمثل شهر تيشري حيث نكون بالقرب من الربّ ونقضي وقتًا كثيرًا في حضرته. ولدينا فرص احتفالية عديدة للاحتفال معه. ولذلك وحسب هذا المفهوم ليس لعيد “شميني عاصيريت” مفهوم إضافي أكثر منه وسيلة لإنهاء عيد موسمي.
عندما كنّا نحتفل بهذا العيد لمدة يوم واحد فقط، ربما كان هذا الدمج بين صلاة الاستسقاء وانتهاء العيد الموسمي يكفي. ولكن عند إبعاد اليهود الى بابل، بدأ اليهود في الشتات باحتفال معظم الأعياد بإضافة يوم. أي يومان من الاحتفالات لكل عيد (ولا ينطبق ذلك أبدًا على يوم كيبور – الذي -والحمد لله – يحتفل به لمدة يوم صوم واحد في جميع أنحاء العالم.) السبب لإضافة هذا اليوم هو أن التقويم كان محددًا على أيدي السلطات عند رؤية مولد الهلال في القدس. وأصبحت قدسية الزمان مرتبطة بقدسية المكان. كانت محكمة الحاخامين في القدس بحاجة إلى إرسال مبعوثين إلى الشتات لتبلغها عن تحديد بداية الشهر الجديد. أحيانًا كانت تمر بضعة أيام قبل وصول المبعوثين إلى مقاصدهم. فلذلك اتخذ القرار بأن الطائفة اليهودية المحلية ملزمة بإضافة يوم آخر إلى العيد بسبب الشك فيما يخص تحديد الوقت الحقيقي.
في الوقت العصري يحدد التقويم بصورة علمية ولا حاجة إلى الاعتماد على المبعوثين. لذلك توقفت بعض الحركات اليهودية المتقدمة عن الاحتفال باليوم الإضافي في الشتات. لكن أغلبية الحركات التقليدية تحتفظ باليوم الثاني، وهذا للتمييز بين التقاليد المتبعة في إسرائيل وفي الخارج.
إذا فكرنا بالجالية في بابل، فقد اعتاد أفرادها إضافة يوم ثان لعيد “شميني عاصيريت” وفي الحقيقة لم يكن لهذا اليوم مفهوم خاص. ولكن في نفس الوقت، حدثت عملية أخرى في الكنس. في بداية الأمر، تمت قراءة أسفار التوراة الخمسة في الكنيس – التكوين و الخروج و اللاويين و العدد والثتنية خلال دورة من ثلاث سنوات (في الوقت الحالي تقوم بعض الطوائف اليهودية المتقدمة بممارسة هذه العادة من جديد.) في ذلك الوقت صرح الحاخامون أن التوراة بمجملها يجب قراءتها في دورة سنوية بواسطة قراءة جزء معين ومخصص كل أسبوع. وأصبحت هذه القراءة معروفة باسم “باراشات هاشافوعا” أي جزء الأسبوع. في الشتات أصبح اليوم الثاني من “شميني عاصيريت” معروفًا باسم “سيمحات تورا” بمعنى الابتهاج بالتوراة. وفي ذلك اليوم تمت قراءة الاصحاح الأخير من سفر التثنية، لكن من أجل الحفاظ على اسمتمرارية التوراة كانوا يبدأون بقراءة الاصحاح الأول من سفر التكوين على الفور وهكذا لا يمضي وقت دون قراءة التوراة.
وقد انتشر تقليد ثقافة يهودي شعبي بالنسبة لهذا اليوم وحولته إلى نوع من المهرجان الاحتفالي. في الكنس، تخرج جميع أسفار التوراة من التابوت المقدس وتعرض في موكب يتم فيه طواف الكنيس سبع مرات – “هاقافوت” (طواف) وهذا في المساء والصباح التالي أيضًا. ويختتم كل طواف بالغناء والرقص الذي يتحول أحيانًا إلى رقص جنوني لوقت قليل. عيد “سيمحان تورا” هو مناسبة للشرب وللمزح وأحيانًا لأعمال الحيل الهزلية من قبل الأطفال الذين يستلمون أعلامًا وحلويات. ما عدا “بوريم”، هذا هو اليوم الأكثر استهتاراً في السنة اليهودية.
هنا في إسرائيل يتم دمج “شميني عاصيريت” و”سيمحات تورا” إلى يوم واحد. في الوقت الحاضر هذا اليوم ذو معنى مهم للغاية وطقوس وتقاليد كثيرة إلى حد أن صلاة الفجر تستمر في بعض الكنس ست أو سبع ساعات! وهناك تطور شاذ، وهو يصبح تقليداً جديداً في نهاية العيد، “هاقافوت شنيوت” بمعنى “الطواف الثاني” (بالرغم أنه الطواف الثالث في حقيقة الأمر وليس الثاني من الناحية الفعلية). هناك احتفالات حافلة خارج الكنس مع الرقص بأسفار التوراة وعند نهاية العيد بشكل رسمي، يمكن استعمال الآلات الموسيقية لمرافقة الرقص. وأحيانًا يحضر هذه الاحتفالات شخصيات رسمية، ووجهاء كرماء وكذلك ممثلون عن الطوائف المختلفة والقادمون الجدد إلخ. لكن ليس لتلك الاحتفالات أي أهمية دينية.
هكذا فإن الرحلة الروحية التي بدأت في شهر إيلول العبري واستمرت بعملية التوبة، بحكم الله تعالى وبرحمته، تبلغ ذروتها ببهجة عيد “سوكوت” ضمن احتفال يتعهد فيه اليهود بالتزامهم التزامًا لا ينقطع بالتوراة.